في الشريعة والدولة ونقد الحداثة تاملات ومثاقفات

ضمُّ هذا الكتابُ باقةً منتقاةً من محاضرات الأستاذ وائل حلاق وحواراته ودراساته المنشورة، غَلَب على بعضها طابعُ العموم، وهي الحواراتُ التي توجَّه فيها الخطاب إلى عامة القُرَّاء أو جمهور المثقفين، وجنح بعضها الآخر إلى التخصّص بدرجات متفاوتة، وهي المحاضرات والدراسات التي استهدفت طائفة الباحثين من المشتغلين بالشريعة والقانون والسياسة وما إلى ذلك من حقول معرفية كانت محلَّ اشتغال حلاق طوال خمسة عقود من مسيرته العلمية الحافلة، وجمع بين هذه وتلك صفة الشرح والبيان، فصارت أقرب إلى أن تكون مدخلاً مُمَهِّداً إلى عالم حلاق، أو بياناً تفسيريّاً لمشروعه الفكري، أو حاشية مطوَّلة على متن مؤلَّفاته.

والفكرة الناظمة لمادة هذا الكتاب الذي يضم أربعة وثلاثين فصلاً هي “نقدُ الحداثة من خلال دراسة الإسلام”، وهي الفكرةُ التي تمثِّلُ قطب الرحى أو النطاق المركزي في مشروع حلاق الفكري. ولهذا، فإنك واجدٌ في هذا الكتاب حديثاً متشعّباً عن الإسلام والشريعة تارةً، وعن مفهوم الدولة بين الإسلام والحداثة تارةً أخرى، وعن الحداثة ونقدها تارةً ثالثة. ويتخلَّل ذلك كلَّه حديثٌ شائقٌ عن مؤلَّفات حلاق، وبيانٌ واضحٌ لوشائج الاتصال بينها بحيث شكَّلت مجتمعةً حلقات مشروعه الفكري، ومناقشة وافية لكثير مما أثارته هذه المؤلَّفات من ألوان النقد والمعارضة.

على أنه مهما تشعَّب الحديثُ، ومهما تنوَّعت القضايا التي يستعرضها حلاق عبر فصول الكتاب المتتابعة، فإنه لا يلبثُ أن يردَّك إلى “فكرته الناظمة”، فتشعر كأنَّ الكتابَ كلٌّ مُتَلاحِم الأجزاء، أو كأنه أُفرغ إفراغاً واحداً، كما يقول أسلافُنَا، وليس مجموعاً مُفَرَّقاً من مواد نُشِرَت مُنَجَّمَةً.