الاسلام والسببية والحرية

د.ك7.00

نجح أوزغور كوجا في هذا الكتاب الطموح والمثير للإعجاب، في تقديم تحليل عميق لطرح المفكرين المسلمين الكبار حول السببية من حيث علاقتها بـ “الله والإنسان والطبيعة” في الفترة الممتدة من منتصف القرن الثامن إلى منتصف القرن العشرين الميلادي، فبعد دراسته لطرحِ متكلمي المعتزلة والأشاعرة الأوائل، ركز كوجا على أحد عشر عالماً: فيلسوفان (ابن سينا [980م -1037م] وأبو الوليد ابن رشد[1126م – 1198م])، وثلاثة متكلمين أشاعرة (أبو حامد الغزالي [1058م – 1111م] ، فخر الدين الرازي [1150م – 1209م] ، والجرجاني [ت. 1413])، وستة علماء متصوفة (السهروردي [ت1191م]، وابن عربي [1165م – 1240م]، والقونوي [1209م-1274م] ، والقَيْصَري [ت. 1350 م] ، وملا صدرا الشيرازي [1572م-1640م]، وسعيد النورسي [ 1876م – 1960م]).

حظي المتكلمون المعتزلة بتأثيرات متباينة ولكنها مهمة في العالم الإسلامي منذ منتصف القرن الثامن الميلادي إلى منتصف القرن الحادي عشر؛ حيث شددوا على وحدانية الله وعدله، وجادلوا بأنه “من اللازم أن يفعل الله ما هو أمثل ليكون كاملاً أخلاقياً“؛ بالنسبة للمعتزلة “الله لا يختار ولا يمكنه الاختيار أن يكون شريرًا أو قبيحًا، يختار الله بالضرورة الخير ويرتبط به، للحفاظ على العدل” (ص: 23).

يشرح كوجا مع شيء من التفصيل كيف اختلف بشدة المتكلمون الأشاعرة (الذين ظهروا في أوائل القرن العاشر ميلادي)، مع المدرسة الاعتزالية في علم الكلام؛ بالنسبة إلى الأشاعرة، فهم يرون وجود ضرورةٍ أخلاقيةٍ هو ما يُفضي إلى “تقويضٍ للإرادة الإلهية والحرية“، لأنه “لا ينبغي على المرء أن يبحث عن سبب أو هدف أو حتى حكمة في أفعال الله“، كما شدد الأشاعرة على مسألة أن “لله مطلقُ الحرية في تنزيل مشيئته“.

بينما ظهر الأشاعرة الأوائل كرد فعل على المُتكلمين المعتزلة، فقد طور بعد ذلك اثنان من أرباب المتكلمين الأشاعرة وهما الغزالي والرازي طرحهما العلمي كرد على طرح الفلسفة الإسلامية وخاصة ما جاء به ابن سينا. يشرح كوجا كيف جعل الفلاسفة المسلمون مفاهيم أرسطو عن “الطبيعة” و”الضرورة” ركائز مهمة لفلسفتهم الميتافيزيقية؛ بالنسبة لهم، للأشياء طبيعة تحدد سلوكياتها، رفضَ الأشاعرة فكرة “الضرورة” باعتبارها تضعُ حداً مرفوضاً لحرية الله ولمشيئة تصرفه؛ كان هذا الرفض أساس “علم كونيات جديد للأشاعرة؛ مفادهُ استبدال فكرة الضرورة بفكرة الاحتمال” ، في تحديد العلاقة بين “قوة الله في الخلق” و”قوة البشر المكتسبة“؛ يدعو الأشاعرة إلى “مبدأ العرضية” (occasionalist) لأنهم يدافعون عن الطرح الرامي إلى أن “إرادة الله وقوته تخلق كل الأشياء” و”كسب” الإنسان يغدوا عرضاً “لفعلِ الخلاقِ الإلهي”.

سيطر المنظور الأشعري على الفكر الإسلامي منذ منتصف القرن الحادي عشر ميلادي، وفي هذا الصدد لدى كوجا انتقادان محوريان لهذه المدرسة الكلامية الإسلامية التي يُمكنُ اعتبارها الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي؛ أولا، تكاد الأشعرية تنفي إرادة الإنسان الحرة، ثانيًا، تظل الأشعرية حسب كوجا عاجزة عن تقديم إجابات قوية لسؤال الثيودسي (نظرية العدالة الإلهية) (ص: 254، 260). في الواقع، يمكننا الجمع بين الإشكاليين في سؤال واحد مفاده؛ إذا كان الله يخلق كل شيء، بما في ذلك إرادة البشر فكيف يمكن للإنسان أن يتحمل مسؤولية أعماله الشريرة؟

إن حل كوجة لمعضلات الأشاعرة لا يكمن في إصلاحها أو إعادة الاعتبار للتيار الاعتزالي، ولكن بدلاً من ذلك، فهو يدافع عن المزاوجة كبديل ثالث؛ أي المبدأ التشاركي“( participatory) للسببية و”الإرادة الإلهية” و”الإرادة البشرية”؛ هذا البديل يتمحور حول مسألة الوجود؛ يلخص كوجا هذا الطرح المُركب على النحو التالي: “بالمشاركة في الوجود الإلهي” فإن البشر “يشاركون أيضًا في الحرية الإلهية” (12-3)؛ وفق هذا المنظور، فإن حرية الإنسان هي “تجل من تجليات حرية الله“؛ لذلك، “يمكن أن يُنسب نفس الفعل لله والإنسان في نفس الوقت“. (ص: 133).

اسم المؤلف : اوزغور كوجا

اسم المترجم : اياس حسن

دار النشر : نادي الكتاب

متوفر في المخزون

رمز المنتج: 135365 التصنيف:
مراجعات (0)

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “الاسلام والسببية والحرية”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *