مدونة صوفيا

قناديل: هل يكرهُ المثقفون بعضهم ؟

بقلم لطفية الدليمي

الاطلالة على الادب عبر بوابة معرفية أمرٌ يختلف تماماً عن التعامل مع الادب من داخل المشغل الادبي ذاته . ستأتي ومعك حمولة معرفية متمايزة عن التراثيات الادبية ( التقليدية ) ، وسيكون في مستطاعك – ببساطة – رؤية مالايراه الآخرون ليس لعجز فيهم أو نقص في إعداداتهم بل لكون إعداداتهم لم تُضبَطْ خارج نطاق المحدّدات التي عملوا فيها وأنبتوا حصيلتهم الفكرية في إطارها .

 

الدكتور ( جمال حسين علي ) أحدُ هؤلاء الذين أطلّوا على الادب عبر بوّابة الفيزياء ، وقد دلّتنا خبرةٌ متقادمة أنّ الفيزيائيين كائنات فكرية خطيرة !! خطيرة بمعنى أنّ نتاجاتها ذات ثقلٍ نوعي شديد التأثير في الخريطة المعرفية . حتى اليوم ثمّة جامعات بريطانية – أسكتلندية بالتحديد – تُسمّي أقسام الفيزياء فيها ( الفلسفة الطبيعية Natural Philosophy ) . ماذا نتوقّعُ بعد هذا من فلاسفة طبيعيين سليلي أكابر روّاد الفكر أن يفعلوا في أيّ حقل معرفي يَلِجونه ؟ سيثوّرونه بالتأكيد . شواهد كثيرة لتجارب ّمتنوّعة تؤكّد مصداقية هذا القول .

قرأتُ للدكتور جمال حسين علي منذ سنوات بعيدة بعضاً من رواياته المنشورة . لم أكن أعرفُ أنه حاصلٌ على الدكتوراه في الفيزياء النووية والرياضيات من جامعة موسكو إلّا بعد أن قرأتُ له منشوراً فيسبوكياً يحكي فيه عن اللاأبالية المتعمّدة التي تعامل بها قسم الفيزياء في كلية العلوم – جامعة البصرة بأدوات مختبرية غالية الثمن ظلّت مركونة تحت رحمة التراب عندما كان الدكتور علي لم يزل طالباً بعدُ . حينها عرفتُ أنّ الدكتور علي ولج الادب من بوّابة الفيزياء وظلّ أستاذاً في قسم الفيزياء – جامعة البصرة حتى عام 2003 .

أحْدَثُ كتب الدكتور علي هو كتابٌ عنوانه ( لماذا يكره المثقفون بعضهم ؟ ) . سنظنُّ على الفور أنّ الكتاب أطروحة مقفلة عن الكراهية السائدة بين المثقفين . أبداً . ليس الكتاب على هذه الشاكلة . هو كتابٌ عن ( الثقافة والمثقف ) يذكّرُني بكتاب التوحيدي عن ( الصداقة والصديق ) .

الكتاب صغير الحجم لايكادُ يتجاوز حاجز الاربعين ألف كلمة إلا بقليل ؛ وبالتالي فهو يصلح للقراءة بجلسة ممتدة واحدة . وزّع المؤلف الكتاب على ثلاثة محاور : المحور الاول يتناول موضوعات ثقافية عامة مستقلة بذاتها ( أنْ تَكُونَ مُحرِّرًا ثَقافيًا ، مستقبل الثّقافة ، الثّقافة المُقاوِمَة ، الفردانيّة الثّقافية ، الثّقافة والإقصاء ، المثقف الشَّكَّاك ، الثّقافة والوعي ) . المحور الثاني تناول شواهد الخراب الكبير في الثقافة ( منها مثلاً : صُعود الثّقافة وانْحِدارها ، الثّقافة المشكوك فيها دائمًا ، ثقافة السّرقة ، لماذا يكره المثقفون بعضهم ؟ …. إلخ ) ، ثمّ ينتهي الكاتب بمحور ثالث عنوانه ( هذا ماتبقى لنا ) جعله شاهدة على قوة الادب في حياتنا بالاضافة إلى موضوعة التواضع الثقافي ومهمة المثقف في زماننا .

إقرأ المزيد:

https://almadapaper.net/view.php?cat=298310

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *