مدونة صوفيا

عاطف صالح “حارس أشجار المقبرة”

عندما طلب مني عاطف صالح قراءة روايته «حارس أشجار المقبرة» وهي في طور التسويد قبلت فورا طلبه، فقاطعني قائلا، أريد ملاحظاتك في أجل أسبوع فقط، فقد وعدت ناشري بإرسال الرواية في الأجل نفسه.
ظننت أن الوقت لن يكفيني، لكن تقديري كان خاطئاً، فقد قرأت الرواية كلها في جلسة واحدة، ذلك أن أسلوبها سهل ممتنع وكأن الطيب صالح ترك لنا بعد موسم هجرته إلى الشمال صالحا آخر ينوب عنه في رفع تاج الأدب السوداني.
تدور أحداث الرواية في مكان واحد توقفت فيه الحياة البشرية فجأة، في رقعة صامتة في قلب ضاحية صاخبة جنوب مدينة باريس، ويتعلق الأمر بمقبرة «فانف» حيث يرقد فيها أموات من كل الطوائف الدينية، يصل إلى هذا المكان الذي ترك فيه الأموات الفضاء لأصوات العصافير وأغصان الأشجار، مهاجر سوداني يسمى إسحاق أيوب. ولعل أصل التسمية ليس عبثيا فإسحاق اسم يسمى به اليهود والنصارى والمسلمون وفي المقبرة أمواتهم الذين يترحم عليهم دون استثناء حاخام وكاهن وشيخ جمعتهم الدنيا وفرقهم الطريق إلى السماء، لكن إسحاق أيوب جمعهم في اسم واحد موحد، اختار له الكاتب لقب أيوب كناية عن صبر النبي أيوب، فهذا الرجل الذي وصل في البداية إلى هذه المقبرة ليمكث فيها ثلاثة أشهر، يجد نفسه مقيما في نزلها لمدة ثلاثين سنة حيث ينام ويصحو على صوت الريح وهي تعبث بأشجار السرو والبلوط، ويكتشف من خلال تأمله في هذا المكان الصامت أنه لا يحرس المقبرة من الغرباء بل ليصون صمتها ويعتني بأشجارها التي تكبر على قبور الموتى، وكأنها تروي حكايتهم بصمت.

 

إقرأ المزيد

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *