ما بعد الحداثة وعذاباتها
د.ك4.75
الحداثة في نسختها الحالية، ما بعد الحداثية، قد وجدت حجر الفلاسفة الذي رفضه فرويد بوصفه خيالاً ساذجاً وضارّاً: لقد شرعت في صهر المعادن الثمينة ذات النظام النظيف والنظافة المنظّمة مباشرة من خام الإنسان، إنَّها محاولة إنسانية أكثر من اللازم من أجل المتعة، ومتعة أكثر من أيِّ وقت مضى، محاولة تمَّ استنكارها ذات مرَّة كقاعدة وتمَّت إدانتها بعدِّها مدمّرة للذات.
أن تكسب شيئاً، معناه أن تخسر شيئاً آخر في المقابل: القاعدة القديمة صحيحة اليوم كما كانت في أوانها. المكاسب والخسائر فقط هي التي غيّرت المواضع: استبدل رجال ونساء ما بعد الحداثة جزءاً من احتمالات أمانهم مقابل جزء من السعادة. ونشأت عذابات الحداثة بسبب الأمن الذي لا يسمح إلَّا بقدر ضئيل من الحرّية عند السعي وراء السعادة الفرديّة. في حين تنشأ عذابات ما بعد الحداثة من حرّية البحث عن المتعة التي لا تتسامح مع وجود قدر ضئيل للغاية من الأمن الفردي.
لا توجد مكاسب بدون خسائر، والأمل في تنقية عجيبة للمكاسب من الخسائر هو أمل لا طائل من ورائه مثل الحلم الذي يضرب به المثل بغداء مجاني، لكنَّ المكاسب والخسائر الخاصة بأيِّ ترتيب للمعاشرة البشرية يجب أن تُحسب بعناية، إذ يمكن البحث عن التوازن الأمثل بين الاثنين حتَّى لو (أو لأن) أنَّ الرصانة والحكمة التي حصلنا عليها بشقِّ الأنفس، نحن رجال ونساء ما بعد الحداثة، تمنعنا من الانغماس في أحلام اليقظة التي تدور حول المكاسب فقط.
اسم المؤلف : زيغمونت باومان
اسم المترجم : محمود احمد عبد الله
دار النشر : شهريار
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.