ليالي الف ليلة
د.ك4.00
هجر العرش والجاه والمرأة والولد….عزل نفسه مقهورا أمام ثورة قلبه فى وقت تناسى فيه شعبه آثامه القديمة الماضية….أقتضت تربيته زمنا غير قصير….لم يقدم على الخطوة الحاسمة حتى استفحل فى باطنه الخوف وهيمنت رغبته فى الخلاص….غادر قصره بليل, عليه عباءة وبيده عصا مستسلما للمقادير….أمامه سبيل للسياحة كما فعل السندباد, وسبيل إلى دار البلخى, وثمة مهلة للتدبر…قادته قدماه إلى الخلاء قريبا من اللسان الأخضر فترامى إلى أذنيه صوت غريب….أنصت تحت هلال فى السماء الصافية فأيقن من أنه يسمع نحيبا جماعيا! قوم يبكون فى هذا الخلاء؟ مضى نحو مصدر الصوت فى حذر حتى استقر ورراء نخلة….رأى صخرة كالقبة ورجالا يتربعون حيالها فى خط مستقيم….لا يكفون عن البكاء….ثار فضوله وتناوبته الأفكار…وإذا برجل منهم ينهض فيمضى إلى الصخرة وينهال عليها ضربا بقبضته, ثم يرجع إلى مجلسه ويواصل البكاء مع الباكين….أحد شهريار بصره فعرف فى الرجال جملة من رعاياه السابقين: سليمان الزينى ووالفضل بن خاقان وسامى شكرى وخليل فارس وحسن العطار وجليل البزاز….فكر أن يقتحم مجلسهم ليكشف سرهم ولكن الحذر شده إلى موقفه…وقبيل الفجر قام أحدهن وقال: آن لنا أن نرجع إلى دار العذاب! فكفوا عن البكاء وقاموا وهم يتواعدون على اللقاء غدا ثم مضوا نحو المدينة كالأشباح… ما معنى هذا؟ اقترب من الصخرة….دار حولها دورة كاملة…ماهى إلا صخرة فى صورة قبة غير مستوية يمر بها العابر فلا تثير اهتمامه….دنا منها فتحسس سطحها فوجده خشنا….هوى عليها بقبضته مرات ثم همّ بالتحول عنها عندما صدر منها إليه صوت قوى متحرك…تكشف اسفلها عن مدخل مقوس الهامة فتراجع مرتعدا من الخوف لكنه رأي نورا هادئا عذبا, ونسمت رائحة زكية مخدرة….زايله الخوف عن هذا الباب وهو ما تاق الرجال إلى فتحه وما أحرقوا الدموع من أجله…اقترب منه أدخل رأسه متطلعا فجذبته فتنة طاغية…
اسم المؤلف : نجيب محفوظ
اسم المترجم :
دار النشر : دار الشروق
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.