الشحاذ
د.ك3.75
لم أشعر يوما أنى تقدمت فى السن. الكبر مرض, ولن تشعر به ما دمت تدفعه بحسن السلوك, هنالك شبان فوق الستين, المهم أن نفهم حياتنا. أن نفهم حياتنا؟! أنا لا أتفلسف طبعا. ولكنك تداوينى بنوع من الفلسفة, ألم يخطر لك يوما أن تتساءل عن معنى حياتك؟ فضحك الدكتور عاليا ثم قال: لا وقت عندى لذلك, وما دمت أؤدى خدمة كل ساعة لإنسان هو فى حاجة ماسة فما يكون معنى السؤال؟! ثم بجدية ودود: قم فى إجازة إجازتى متقطعة عادة كأنها ويك إند يستمر طيلة شهور الصيف لا, خذ إجازة طويلة بالمعنى, ومارس نظام معيشتك الجديدة, وسوف تبدأ بعد ذلك متجددا. هذا ممكن توكل على الله. ليس بك إلا نذير من الطبيعة فاستمع إليه, وعليك أن تنقص وزنك عشرين كيلو ولكن على مهل ودون عنف. ضرب على ركبتيه وانحنى انحناءة خفيفة تؤذن بالتأهب للقيام ولكن الدكتورة بادره: مهلا, أنت آخر زوار اليوم فلنجلس قليلا معا. اعتدل فى جلسته باسما. دكتور حامد صبرى إنى أعرف ما تريد. تريد طى ربع قرن من الزمان. وأن تضحك من أعماق قلبك مرة أخرى. ما أجمل ايام زمان! الحقيقة يادكتور ما أجمل كل زمان باستثناء “الآن” صدقت و التذكر شئ والمعاناة شئ آخر ثم يتبدد كل شئ بلا معنى لكننا نحب الحياة, هذا هو المعنى. شد ما كرهتها فى الأيام الأخيرة! وها أنت تبحث عن الحب المفقود, خبرنى أما زلت تذكر أيام السياسة والإضراب والمدينة الفاضة؟ طبعا, وقد ولت جميعا, ولم يبق إلا سوء السمعة. ومع ذلك فقد تحقق حلم كبير, أعنى الدولة الاشتراكية. نعم الدكتور وهو يبتسم: وكنت تظهر لنا بأكثر من وجه, الاشتراكى المتطرف, المحامى الكبير, ولكن وجها منك رسخ فى ذاكرتى أقوى من أى سواه, هو عمر الشاعر! ابتسم ابتسامة عصبية ليدارى امتعاضا مباغتا وتمتم: يالسوء الحظ! هجرت الشعر؟ طبعا ولكنك طبعت ديوانا فيما أذكر فخفض عينيه حتى لا يقرأ فيهما توتره وضيقه وقال: عبث طفولة لا أكثر ولا أقل.
اسم المؤلف : نجيب محفوظ
اسم المترجم :
دار النشر : دار الشروق
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.