محمد الأمين النواري* –
هل بوسع كتاب واحد أن يقول لنا فعلاً ماذا يعني أن نفكر؟
التفكيرُ فعلٌ يتراوح ما بين أبسط الأشياء في الواقع اليومي، وصولاً إلى أعقد الأسئلة العلمية والوجودية، ومن الصعب أن يحمل لنا كتاب واحدٌ الجواب الشافي بين دفتيه.
التفكير محاولة للفهم، وطريقة لتكوين المعرفة الفردية، لكنه أيضاً استخراج المفاهيم، وتجريدها، واستعيابها، وخلقها أحياناً.
إن التفكير يتدخل في أنشطة عديدة تكاد لا تملك قاسماً مشتركاً، أو لنقل إن القاسم المشترك الوحيد بينها هو الوجود: يكفي للشيء أن يوجد، لكي يكون موضوعاً للتفكير، أو لكي يفكر هو نفسه.
أجوبة الغريب
إن هذا هو ما يتطرق إليه الفيلسوف والمستشرق الفرنسي جان باتيست برونيه في كتابه «ماذا يعني أن نفكر.. عرب ولاتينيون؟»، وهو يرسم خريطة ذهنية وجغرافية وتاريخية لما قد يعنيه أن نفكر. يقدم لنا صاحب مقعد الفلسفة العربية والإسلامية في جامعة السوربون بجرأة رصينة محاولة للإجابة، ترتكز على الأجوبة التي اقترحها مفكرون عظماء، كأرسطو وابن رشد وغيرهما، ممن كانت حياتهم تتمحور حول التفكير، وهي الأجوبة التي ربما كانت غير مقبولة في سياق تاريخي سابق، خصوصاً في أوروبا بداية الأمر، لكونها «أجوبة الغريب»، أو بالأحرى أجوبة الجار اللدود، ففُنِّدت وأُهْمِلَتْ، لكي تُهمل هذه التفنيدات نفسها فيما بعدُ مع تطور المناهج الفلسفية، وبهذا يكون تسليط الضوء مجدداً على كل ما قطعه العرب واللاتينيون في سبيل الفلسفة بمنزلة اكتشاف جديد بالنسبة إلينا.
:إقرأ المزيد