الابراهيمية المتصهينة

الإبراهيمية ليست مجرد مشروع سياسي أو تحالف اقتصادي، بل هندسة شاملة للعقل والوجدان، فاتفاقيات أبراهام ليست دعوة روحية عابرة -كما يروجون، بل هي مظلة استراتيجية تعيد صياغة الدين، وتعيد تعريف الهوية، وتعيد ترتيب الأولويات، حتى يُعاد رسم الخريطة الجيوسياسية من جديد، لا بالمدافع والدبابات.
وإنما بالمناهج والطقوس والرموز.
والوعي بهذه الآليات ليس ترفًا فكريًا، بل شرط للبقاء؛ لأن من يُسلَم مفاهيمه يسلم وعيه، ومن يسلم وعيه، يسلم نفسه وأرضه وتاريخه ومستقبله وهذا الكتاب ليس لمن يبحث عن الشعارات، ولا لمن يكتفي بالغضب، وهو كذلك ليس لمن يرى العالم بالأبيض والأسود. ولا يُقدم الكتاب نفسه على أنه دراسة عن التطبيع، أو تحليل للاتفاقيات الدبلوماسية. وإنما هو كشف لمشروع شامل يتجاوز السياسة إلى الهوية، ويتعدى الدبلوماسية إلى الوعي، ولا يستهدف تغيير الخرائط وحسب، بل يسعى إلى تغيير العقول.
هذا الكتاب لمن أراد أن يفهم قبل أن يُحاكم، ومن أراد أن يعرف قبل أن يُصدّق، ومن أراد أن يعتقد قبل أن يحارب، لأن المعركة اليوم -كما ستكتشف صفحة صفحة ليست على الأرض المغتصبة فقط، بل في عقر دارنا كذلك، على الذاكرة، والهوية، والأصول والمعنى.
وطالما أن هناك من يرفض أن ينسى الحق الذي شرعه اللّٰه لنا، فإن هذا المشروع مهما طال أمده- لن يصل إلى مبتغاه، ولن ينتصر بإذن الله.
ومن هنا كان هذا الكتاب الذي عملت عليه مع فريق مركز رواسخ لنتناول الإبراهيمية من هذه الزاوية، زاوية إعادة رسم الخرائط السياسية والاقتصادية والأحلاف العسكرية في المنطقة، زاوية الحق والباطل والولاء والبراء، زاوية توظيف التصوف – في نسخته الباطلة- وشعارات السلم الزائف في خدمة العدو الصهيوني، زاوية إعادة هندسة مفاهيم الجهاد والعقيدة والمقاومة التي يُراد لها أن تفرغ من محتواها.